يبحث العالم اليوم عن السلام كأقصي ما يتمناه الإنسان, وغاية ما ترجوه البشرية, في حين نجد أن الإسلام منذ أربعة عشر قرنا مجد السلام وكرمه, ثم حققه ونشره, بعد أن غرسه في قلب كل مسلم وعلي لسانه وفي كل أعماله.
والسلام اسم من أسماء الله الحسني التي أمر الله تعالي الناس بأن يدعوه بها: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام[ الحشر:23] لما جاءت الملائكة سيدنا إبراهيم عليه السلام تبشره بإسحاق قدمت بين يديها عند الدخول تحية السلام: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين, إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما, قال سلام[ الذاريات:25] وأمر الله تعالي عباده بالسلام علي النبي فقال سبحانه وتعالي: إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما[ الأحزاب:56].
وكما ان الله تبارك وتعالي كرر في ثنايا كتابه الكريم السلام علي الأنيباء والمرسلين تكريما لأعمالهم وتخليدا لذكراهم وتعريفا بفضلهم: سلام علي نوح[ الصافات:79] سلام علي إبراهيم[ الصافات:109] سلام علي موسي وهارون[ الصافات:120] سلام علي آل ياسين[ الصافات:130] وعن سيدنا يحيي عليه السلام يقول المولي عزوجل: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا[ مريم:15] ويقول علي لسان سيدنا عيسي والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا[ مريم:33]. والإسلام هو دين السلام قال سبحانه وتعالي: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة[ البقرة:208] والسلام كلمة يكررها المسلم في كل صلاة عدة مرات, ثم يختم صلاته بقوله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهو خير ما في الإسلام فعن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي: أي السلام خير؟ قال: تطعم الطعام, وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف وجعله سببا مفضيا إلي المحبة, فالإيمان فدخول الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: لاتدخلوا الجنة حتي تؤمنوا ولاتؤمنوا حتي تحابوا, ألا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم رواه مسلم عن أبي هريرة.
وليلة القدر التي نزل فيها القرآن العظيم هدي ورحمة للعالمين وصفها الله تعالي بأنها سلام هي حتي مطلع الفجر[ القدر:5] وأمر نبيه ان يعامل معارضيه وخصومه قائلا: فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون[ الزخرف:89] كما جعل تحية أهل الجنة حين يلقون ربهم تحيتهم يوم يلقونه سلام[ الأحزاب:44] وعندما تتلقاهم الملائكة: وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين[ الزمر:73] وكذلك ينعم عليهم المولي عزوجل بخطابه الإلهي: ادخلوها بسلام, ذلك يوم الخلود[ ق:34]
ولقد شرع الإسلام السلام تحية بين المسلمين وحث علي إفشائه والإكثار من ترديده كلما لقي المسلم فردا او جماعة عرفهم أم لم يعرفهم كما سبق الحديث الشريف, وجعل ذلك أحد الطرق الموصلة إلي الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام رواه الترمذي عن عبد الله بن سلام. وإذا كان للسلام هذه الأهمية في الإسلام, فإن له آدابا كثيرة علي المسلم ان يراعيها في معرفة احكامه, وكيفية إلقائه, وغير ذلك من الآداب الكريمة التي لا تترك نقيرا ولا فتيلا ولا قطميرا:
**1 ـ الالتزام بصيغة السلام الواردة عن النبي فيقول: السلام عليكم ويمكنه ان يزيد ورحمة الله وبركاته, اما رد السلام فيكون علي الفور وبالصيغة التالية وعليكم السلام والأفضل ان يزيد ورحمة الله وبركاته ولئن كان إلقاء السلام سنة فإن رده واجب يأثم تاركه.
قال تعالي: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها: إن الله كان علي كل شيء حسيبا[ النساء:86]
**2 ـ أن يبدأ بالسلام قبل الكلام إذا أتي أحدا في بيته, أو لقي احدا في الطريق وأن يختم مجلسه او كلامه بالسلام ايضا. قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتي تستأنسوا وتسلموا علي أهلها[ النور:27] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا انتهي أحدكم إلي المجلس فليسلم فإذا أراد ان يقوم فليسلم فليست الأولي بأحق من الآخرة رواه أبوداود والترمذي.
**3 ـ السلام علي أهل بيته كلما دخل البيت أو خرج منه. عن أنس قال: قال لي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: يابني إذا دخلت علي أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلي أهل بيتك رواه الترمذي
**4 ـ التجرؤ علي ابتداء السلام وإلقائه علي الآخرين: لا انتظار الناس لتلقي عليه السلام وذلك ليكتسب الأجر الكبير الذي ينتظر من يبدأ غيره بالسلام.
عن أبي أمامه قال: قيل يارسول الله الرجلان يلتقيان, أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: أولاهما بالله تعالي رواه الترمذي.
**5 ـ يستحب ان يسلم علي نفسه إذا دخل بيته وكان خاليا قائلا: السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين.
قال الله تعالي: فإذا دخلتم بيوتا فسلموا علي أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة[ النور:61]
**6 ـ يسن السلام علي الصبيان إذا مر بهم مما يستجلب محبتهم, ويقوي شخصيتهم ويمهد لنصحهم وتعليمهم وينفي الكبر عن الذي القي السلام كما يستحب إلقاء السلام علي الفقراء والمساكين.
عن أنس أنه مر علي صبيان فسلم عليهم وقال: كان رسول الله يفعله متفق عليه وفي رواية أنه مر علي غلمان فسلم عليهم
*7 ـ تستحب استصحاب بشاشة الوجه, ولين الجانب, وحرارة اللقاء أثناء إلقاء السلام او رده.
عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله, لاتحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق رواه المسلم.
8 ـ يكره القاء السلام علي من يبول, وعلي النائم, وعلي المصلي او المتوضيء حتي ينتهيا كما يكره السلام علي تالي القرآن والمنشغل بالذكر او الدعاء لئلا يشغلهما عن عبادتهماا برد السلام, كما يكره السلام علي المؤذن والخطيب والمدرس