بسم الله الرحمن الرحيم
يحكي ان طاعون الجنون نزل في نهر يسري في مدينة، فصار الناس كلما شرب منهم احد من النهر يصاب بالجنون، وكان المجانين يجتمعون ويتحدثون بلغة لا يفهمها العقلاء، واجه الملك الطاعون وحارب الجنون حتى اذا ما اتي صباح يوم استيقظ الملك واذا الملكة قد جنت، وصارت الملكة تجتمع مع ثلة من المجانين تشتكي من جنون الملك!
نادى الملك بالوزير: يا وزير الملكة جنت أين كان الحرس.
الوزير: قد جن الحرس يا مولاي.
الملك: اذن اطلب الطبيب فورا.
الوزير: قد جن الطبيب يا مولاي.
الملك: ما هذا المصاب ، من بقي في هذه المدينة لم يجن؟
رد الوزير: للأسف يا مولاي لم يبقى في هذه المدينة لم يجن سوى أنت وأنا.
الملك: يا الله أأحكم مدينة من المجانين؟!
الوزير: عذرا يا مولاي، فان المجانين يدعون أنهم هم العقلاء ولا يوجد في هذه المدينة مجنون سوى أنت وأنا.
الملك: ما هذا الهراء! هم من شرب من النهر وبالتالي هم من أصابهم الجنون!
الوزير: الحقيقة يا مولاي أنهم يقولون إنهم شربوا من النهر لكي يتجنبوا الجنون، لذا فإننا مجنونان لأننا لم نشرب، ما نحن يا مولاي إلا حبتا رمل الآن، هم الأغلبية، هم من يملكون الحق والعدل والفضيلة، هم الآن من يضعون الحد الفاصل بين العقل والجنون.
هنا قال الملك: يا وزير أغدق علي بكأس من نهر الجنون إن الجنون أن تظل عاقلا في دنيا المجانين.
بالتأكيد الخيار صعب، عندما تنفرد بقناعة تختلف عن كل قناعات الآخرين، عندما يكون سقف طموحك مرتفع جدا عن الواقع المحيط، هل ستسلم للآخرين، وتخضع للواقع، وتشرب الكأس؟
هل قال لك احدهم: معقولة فلان وفلان وفلان كلهم على خطأ وأنت وحدك الصح! إذا وجه إليك هذا الكلام فاعلم انه عرض عليك لتشرب من الكأس؟
عندما تدخل مجال العمل بكل طموح وطاقة وانجاز وتجد زميلك الذي يأتي متأخرا وانجازه متواضع يتقدم ويترقى وانت في محلك، هل يتوقف طموحك، وتقلل انجازك، وتشرب الكأس؟
أحيانا يجري الله الحق على لسان شخص غير متوقع.
مرت طفلة صغيرة مع أمها على شاحنة محشورة في نفق، ورجال االدفاع المدني والشرطة حولها يحاولون عاجزين إخراجها من النفق، قالت الطفلة لأمها، أنا اعرف كيف تخرج الشاحنة من النفق! استنكرت الأم وردت معقولة كل من الدفاع المدني والشرطة غير قادرين وأنت قادرة! ولم تعط أي اهتمام ولم تكلف نفسها بسماع فكرة طفلتها، تقدمت الطفلة لضابط الدفاع المدني(سيدي افرغوا بعض الهواء من عجلات الشاحنة وستمر)، وفعلا مرت الشاحنة وحلت المشكلة وعندما استدعى عمدة المدينة البنت لتكريمها كانت الأم بجانبها وقت التكريم والتصوير!
فأحيانا لا يكتشف الناس الحق إلا بعد مرور سنوات طويلة على صاحب الرأي المنفرد، إذن ما هو الحل في هذه الجدلية، هل تشرب من الكأس، أم تظل على رائيك؟