دعا ديننا الحنيف المؤمنين للاهتمام بصحتهم والعناية بها، باعتبارها من رأس مالهم في هذه الحياة. ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي بأنه خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وذلك أن الأول إنسان فعال قادر على القيام بواجباته الدينية والدنيوية خير قيام، بخلاف الثاني، فإنه إنسان ليس لديه من القدرة ما يجعله قادراً على القيام بأعباء الحياة ومتطلباتها، بل ربما كان عالة على مجتمعه.
ونظام الصوم - وفق ما شرعه الإسلام - يساعد المسلم على المحافظة على صحته العامة، ويقيه العديد من الأمراض، كالسمنة وارتفاع ضغط الدم وغير ذلك، مما يصيب من لم يعتد اتباع هذا النظام الرباني.
ونحن في هذه العجالة، لا يعنينا أن ندخل في تفاصيل ما قاله أهل الطب حول أهمية الصوم وفائدته للصائم، وحسبنا أن نقف على بعض الإشارات واللفتات التي تبين الآثار الصحية العديدة التي يجنيها الصائم من اتباع نظام الصوم، ناهيك عن آثاره العبادية.
لقد أثبتت الدراسات الطبية أن لنظام الصوم - إذا طُبًق التطبيق الصحيح - فوائد صحية عديدة: منها أنه يخلص الجسم من الشحوم والدهون الزائدة، التي تؤدي إلى السمنة، وهي من أهم أمراض هذا العصر.
وكما هو معلوم، فإن الجسم كلما ازداد وزنه، انعكس ذلك سلباً على سائر أعضاء البدن، وفي مقدمتها القلب. ومن هنا يأتى نظام الصوم عاملاً مهماً في الحفاظ على صحة الجسم وتوازنه.
ومن فوائد الصوم الصحية، تخليص الجسم من الفضلات، فقد ثبت علمياً أن الجسم تتراكم فيه بؤر صديدية، تدفع بإفرازاتها إلى الدم فتؤدي إلى كثير من الأمراض، ويكون الصوم - في هذه الحالة - من الوسائل المهمة والمفيدة في تخليص الجسم من هذه الفضلات الضارة.
ثم إن الصوم يتيح الفرصة لخلايا الجسم وأجهزته الأخرى أن تقوم بواجبها حق القيام، فيما لا يتأتى لها ذلك إذا لم تكن قد اعتادت على نظام الصوم، كما شرعه الإسلام.
وبيان هذا، أن نظام الصوم يمنح أجهزة الجسم راحة شبه تامة، هي بحاجة إليها، ومعلوم أن هذه الأجهزة تعمل طيلة أيام العام دون توقف، فيأتي شهر الصوم، كنوع من الإجازة السنوية لهذه الأجهزة، فيمنحها الراحة اللازمة، بعد ما أصابها من العناء والتعب، نتيجة العمل المستمر.
فنظام الصوم - استناداً إلى ما تقدم - يمنح الجسم الحمية اللازمة، وينأى به عما يتهدده من أمراض وأخطار. وقد ظهر مؤخراً الكثير من العيادات الطبية التي تعتمد نظام الصوم أساساً في معالجتها الطبية، وفي هذا دليل على أهمية الصوم في حياة الإنسان عامة، وحياته الصحية خاصة.
ومن المهم أن نقول بعد ما تقدم، إن اتباع نظام الصوم، لا يعني بحال الامتناع عن تناول الطعام والشراب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، ثم تناول ما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة، من غير مراعاة القواعد الصحية في تناول الطعام بعد الإفطار، فإن مثل هذا السلوك لا يحقق الفائدة المرجوة من نظام الصوم، بل الذي ينبغي على الصائم عند تناوله طعام الإفطار، أن يكون معتدلاً متوازناًً، دون إفراط أو تفريط في ذلك.
وختاماً نذكِّر الصائم الكريم، بأن الغاية الأساس من تشريع الصيام، وصول العبد إلى تقوى الله، وعبادته حق العبادة، وذلك بالالتزام بأوامره سبحانه، والانتهاء عن نواهيه، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } (البقرة:183) فالآية صريحة في الدلالة على أن المقصد الأساس من الصوم، الوصول إلى درجة التقوى، وتلك منـزلة تقرِّب العبد من خالقه.
فليست الغاية من الصيام إذن - وحسب نظر الشرع الحنيف - أن يكون علاجاً ودواءً لما ينتاب الناس من أمراض وأخطار، فعلى المسلم أن يلحظ ما شٌرع الصوم لأجله، أما ما كان من مقاصد أخرى، فهي تابعة ومتممة للمقصد الأساس من تشريع الصوم. وفقنا الله لطاعته والالتزام بشرعه، والاقتداء بهدي نبيه عليه الصلاة والسلام، والله الموفق.